مدينة أبركان
محرك البحث أسفله خاص بموقع بني يزناسن فقط
موقع المدينة على الخريطة
قـائمـة محتويات الصفحة مدينة أبركان مدينة هربيس Herbis وصف دقيق لأبركان وعين الركَادة من خلال وثائق تاريخية نبش في ذاكرة أبركان : ثلاث حلقات
مدينـــــــة أبـــــــــركـــــــــــان
هي إحدى المُدن المغربية الواقعة شمال شرق المغرب؛ في المنطقة الريفية منها؛ وهي عاصمة إقليم بركان، وتبعد عن شاطئ السعيدية حوالي خمسةٍ وعشرين كيلومتراً، فيما يفصلها عن الحدود المغربية الجزائرية، قرابة خمسة عشر كيلومتراً فقط، كما تقع مدينة بركان على الطريق الفاصل بين مدينتي وجدة والناظور، ويُقدَر عدد سكانها بمائة وتسعةِ آلاف نسمة، وتشتهر بركان بإنتاج الحمضيات وأبرزها؛ البرتقال ، وأطلق عليها السكان لقب (عاصمة البرتقال) وهي من أهمّ المدن المغربية الفلاحية. الكثافة السكانية : 1126 ن / كم² المساحة : 97 كم² ( 9700 هكتار ) نبذة عن تاريخ بركان يُعتقد أنّ النشأة الحديثة لبركان كمدينة؛ تعود إلى بداية القرن العشرين، حيثُ لم يكن فيها سوى أربعمائة نسمة في العام 1911؛ وسكنها الفرنسيّون، والأوروبيون، إلى جانب اليهود المغاربة، كما استوطنت المدينة القبائل العربيّة؛ مثل بعض العائلات الجزائريّة ونذكر منها؛ أولاد الصغير، وأولاد منصور؛ الذين نزحوا من أنكاد عام 1830، هرباً من الحروب. يسرد البعض أن العديد من القبائل القديمة، سكنت بركان بعد أن تمّ استصلاحها؛ حيث إنّ معظم أراضيها كانت عبارة عن غابات، أهمّها قبائل جبال بني يزناسن؛ وهي أربع قبائل رئيسيّة؛ بنو وريمش، وبنو عتيق، وبنو خالد، وبنو منقوش. ويرجح أنّ أصل تلك القبائل يعود إلى فترة ما قبل التاريخ؛ وهذا ما أثبتته الآثار التي عُثر عليها بمغارة الحمام في المدينة؛ حيثُ يتراوح زمن وجودها ما بين أربعين ألف سنة إلى مئة ألف سنة. أصل التسمية قبل أنّ تُصبح بركان مدينة، عُرِفت بقرية (أبا امحمد أوبركان)، ثم صار اسمها مدينة أبركان، مع مرور الزمن، وأبركان كلمة أمازيغية تعني (أسوّد)؛ نسبةً إلى الرجل س. امحمد أبركان بن الحسن بن مخلوف الراشدي؛ وكانت بشرته سوداء؛ وكانت له بعض المؤلفات في علم الحديث، وظل في القرية حتى وافته المنية عام 868هـ ( حوالي 1463 م، فترة نهاية الحكم المريني )، ودُفن بالمنطقة التي تقعُ عند المدخل الغربي للمدينة، التي ما زالت تحملُ اسمه. اقتصاد مدينة بركان يقوم اقتصاد المدينة بشكلٍ رئيسيٍ على قطاع الفلاحة؛ حيث تبلغ المساحة الإجمالية من الأراضي الزراعية فيها، حوالي اثني عشر ألف هكتار، ويتم إنتاج الخضروات، والفواكه، والحبوب، فيما تتصدر الحمضيات قائمة المنتجات الزراعية فيها؛ خاصةً (المندرينا أو الكلمنتينا) التي تُنتج المدينة منها ما يزيد عن مئةِ ألفِ طنٍ منها، فيما تأتي البطاطا في المرتبة الثانية بعد الحمضيات، بواقعٍ إنتاجي يصل إلى حوالي مئة ألف طن، وقد وفّر هذا القطاع العديد من فُرص العمل، وأدّى إلى ظهور عشرات التعاونيّات والجمعيّات الزراعية، إلى جانب الجمعيات الخاصّة بالريّ والسقاية. تنشطُ الحركة التجارية في المدينة؛ ففيها العديد من الأسواق أشهرها؛ السوق الأسبوعي، وسوق فرياض، وسوق سيدي امحمد أبركان إضافةً إلى سوق مبروك.
مدينة هربيس Herbis
اقتراح اسم قديم لموقع "أبركان" ومجاله الجغرافي يرجع للقرن 4 الميلادي قبل مدة تابعت على بعض الصفحات الفيسبوكية المختصة بتاريخ بني يزناسن نقاشا جرى حول تاريخ مدينة أبركان والنواة الأولى لتأسيسه فمن قائل يقول:إنه يرجع ل 600 سنة خلت من القرون في اللحظة الأولى التي حط فيها العالم المحدث أبو عبد الله امحمد ابن الحسن بن مخلوف الراشدي المعروف ب "أبركان"رحاله في المنطقة قرب وادي شراعة ... ومنهم من ذهب إلى أن تأسيس النواة الأولى ل أبركان كان مع بداية القرن العشرين مع بزوغ صباح الاستعمار الفرنسي على المنطقة. وكانت منطقة بركان الحالية تسمى"فيلاج نسيدي امحمد أبركان" وفي القرن التاسع عشر إلى بداية العشرين كانت منطقة سهل تريفة تسمى في كتابات المخبرين الفرنسيين باسم صاحب الضريح امحمد أبركان وكانت معروفة ب "قرية سيدي امحمد أبركان" ... والحق أن أن الاختلاف هنا ليس اختلاف تضاد بل هو اخلاف اعتباري مرجعه إلى مفهوم التأسيس وإحداث النواة الأولى للمدينة فإذا كنا نتحدث عن المدينة الحديثة المبنية على الطراز المعماري الحديث فلا شك أنها حديثة العهد بنا إبنة أمسها ويومها وإذا كنا نتحدث عن التأسيس الأول كنواة لقرية أو فيلاج صغير فلا شك أنه يرجع لقرون خلت مع ظهور الفقيه أبركان وسكناه قرب وادي شراعة والتفاف الناس حوله عوام وخواص من طلبة العلم وحفاظ كتاب الله عزوجل يختلفون إلى مجالسه يدارسونه العلم ويطارحونه مسائل الفقه والحديث. اقتراح اسم قديم للمنطقة قديما كان يقال من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له وهو ما يصدق على تاريخ منطقتنا العزيزة الأبية الحافلة بالأحداث والوقائع الضاربة في جذور أعماق التاريخ القديم والمؤرخون يجمعون قديما وحديثا على أن المناطق المحاذية للبحار ومجاري الأنهار ومنابع العيون كانت دوما آهلة بالسكان حافلة بالأحداث والوقائع وهو الشيء الذي يصدق على المغرب عموما وشمال شرقه خصوصا. كان القرطاجيون يسيطرون على السواحل المغربية من خليج سرت إلى المحيط الأطلسي ما يعني بالضرورة أنهم كانوا يسيطرون على الجزء الشمالي من شرق المغرب وتسمية الأماكن التي كانوا يسيطرون عليها وقد تعاور على حكم المغرب قديما قبل مجيء الفاتحين العرب أمم وشعوب من مختلف الأجناس والأعراق كالفينيقيين والقرطاجنيين والرومان والوندال مع ما صاحب كل ذلك من قيام ممالك وإمارات بربرية وكانت المناطق الساحلية خصوصا مسرح الأحداث ومعترك الأقران وميدان التنافس والتسابق بين الدول والإمبراطوريات التي سعت إلى الاستئثار والانفراد بحكم المغرب الأقصى سواء تعلق الأمر بالبحر الأبيض المتوسط والذي كان يدعى في الكتب الجغرافية القديمة ب "البحر الداخلي" أو "المحيط الأطلسي" والذي كان يسمى آنئذ ب "البحر الخارجي" وهذا التنافس الشديد على هذه البقعة القاصية عن بلاد الغزاة استدعاه وجود المغرب في موقع جغرافي متميز في طرف القارات القديمة التي سكنها الإنسان منذ ملايين السنينن . وأهم المراكز المنتشرة على طول سواحل المغرب الشمالية والغربية كسبتة وأعمدة هرقل =مضيق جبل طارق= وليكسوس.. كانت معروفة مشهودة لدى الرحالة والجغرافيين القدمى محددة بدرجات الطول والعرض .... شكل ظهور بطليموس ق 2 م العالم والجغرافي الأسكندري المعروف صلة وصل ما بين الجغرافيين القدماء والجغرافيين العرب للعصر الوسيط عرف بكتابه" ألماجيسطي Almageste" في علم الفلك كما عرف بكتابه "الجغرافيا Géographie المكون من ثمانية كتب وخصص كتابه الرابع لمدن ومواقع المغرب الأقصى القديم ولأول مرة في تاريخ العلوم الجغرافية تذكر في كتابات بطليموس إحداثيات المدن المهمة للعالم المأهول آنذاك وهو ما ساعد على تحديد مواقع جغرافية في شمال شرق المغرب كانت مأهولة بالسكان ماذا عن المجال الجغرافي اليزناسني؟ في كتابه "المغرب الأقصى عند الإغريق واللاتين ق السادس ق م /القرن السابع ب م . ترجمة وتعليق د المصطفى مولاي رشيد دكتور في التاريخ القديم من جامعة فرانش كونطي بفرنسا وهو من مواليد مدينة وجدة أستاذ التاريخ القديم بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط . له اهتمام على الخصوص بتاريخ العلوم لا سيما علم الجغرافيا صدر كتابه هذا سنة 1993 وقدم له العالم د محمد حجي السلاوي رحمه الله يشير إلى بعض المعطيات التاريخية المتعلقة بالمنطقة وهي معطياتها على تواضعها وندرتها نضعها بين يدي الباحثين المهتمين بتاريخ المنطقة علهم يجدون فيها بغيتهم وضالتهم فيما يصبون إليه في مجال البحث العلمي يقول د المصطفى مولاي : ومن الملاحظ في هذا الإطار أنه إذا كانت الحدود الشرقية لموريطانيا الغربية مبهمة قبل العصر الروماني فإنها ستعرف مزيدا من الوضوح والدقة بفضل إحداثيات الجغرافي بطليموس الذي ضبط بواسطة خط الطول '40°11، الحد الفاصل ما بين الطنجية والقيصرية والذي أشار كذلك في هذا المضمار إلى بعض المدن البعيدة في اتجاه الشمال الشرقي من المغرب الأقصى القديم "كهربيس" Herbes مثلا . ويعلق د المصطفى مولاي في الهامش قائلا: تنطبق Herbis تقريبا على مدينة أبركان . وفي نص آخر يشير إلى إحداثية أوردها بطليموس الجغرافي في بعض كتبه يقول :يقع خط الطول 40°11 على شاطئ البحر الداخلي =يعني به البحر الأبيض المتوسط= شرق مصب المالفا Malva الذي ينطبق بدون شك على النهر الصغير المعروف بوادي كيس ما بين أحفير والسعيدية . وتعليقي على هذين النصين الفريدين أن الجغرافي بطليموس يتحدث هنا عن مدينة وهذا نصه "بعض المدن البعيدة في اتجاه الشمال الشرقي "ما يعني أن المنطقة لم تكن موحشة عامرة بالوحوش والضواري كما ادعى بعضهم بل كانت تعرف رواجا بشريا خصوصا وأنها قريبة من سواحل البحر فلا يبعد منطقيا أن تعرف قرى ومدنا وأسواقا للبيع والشراء ذهابا وإيابا. هذه وجهة نظر قابلة للرأي والرأي الآخر أطرحها للنقاش ولا نلزم بها أحدا. وقد تعمدت ترجمة المؤلف المصطفى مولاي ليعرف القارئ أن الرجل ابن ميدانه متخصص في التاريخ القديم متضلع في الجغرافيا القديمة. المراجع - المغرب الأقصى عند الإغريق واللاتين د المصطفى مولاي -القبائل المغربية للمؤرخ عبد الوهاب بنمنصور.بتصرف
وصف دقيق لأبركان وعين الركَادة من خلال المصدر أسفله
تقدم النصوص المرفقة ( 1 و 2 و 3 و 4 بالترتيب) وصفا لمواقع عين الركادة وأبركان إبان السنوات الأولى لدخول فرنسا إلى المغرب : طبع الكتاب بوهران سنة 1910، وأغلب الظن أن الرحلة إلى وجدة وماتلاها انطلاقا من مدينة مغنية قد كانت خلال تلك السنة بدليل قول الكاتب حين نزوله بمدينة وجدة أن احتلالها قد كان قبل ثلاث سنوات من تاريخ حلوله بها. يعتمد الكتاب على وصف المشاهدات ، مع إدماج بعض الحقائق التاريخية كما يرى، إضافة إلى كثير من التعليقات التي تعكس التصور الكولونيالي للساكنة وما يلابسها من عمران وسلوك ..ومهما يكن في الأمر من تجاوزات فإن الكثير من المظاهر الموصوفة لم تكن بعيدة عن الواقع،وقد تكرر ذكر ذلك بأقلام الكثيرين.
نبش في ذاكرة أبركان: الحلقة الأولى
تجمع اليهود بمدينة أبركان في الحي المسمى ب " المَلَّاح " الذي كان يشغل نسبة لابأس بها من المساحة السكنية إما أسفل شارع ملوية ( محمد الخامس حاليا ) أو جنوب الكنيسة قبالة مساحة دائمة الخضرة تصل إلى تخوم السوق الأسبوعي قرب المحجز البلدي " الفوريان ". كان الملاح يجذب إليه الزبناء بفعل معروضاته من الصناعة التقليدية ونشاطه التجاري الدائم وخاصة بفعل أثمنته التي لا تقاوم والتي تتماشى والقدرة الشرائية للساكنة. كان لمعبد اليهود " الكنيس Synagogue" الواقع بمدخل قرية أبركان من الناحية الغربية ثلاث واجهات، الرئيسية تطل على شارع ملوية و أخرى على زنقة شراعة و الثالثة على زنقة بئر أنزران ( للإشارة فبنيانه مازال قائما إلى يومنا هذا ). يحج إليه مريدوه كل يوم سبت وهو يوم مقدس لا تشعل فيه نار. يتميز الأطفال اليهود يومئذ بقبعتهم " الكيبا kippa ". آخر حاخام بهذا الكنيس كان رجلا منفتحا محبا للحوار، مثقفا. كانت الشخصيات الدينية البارزة أو السياسية تتعايش مع مثيلاتها من الديانات المسيحية و الإسلامية في جو يتسم بتقبل الآخر مهما كانت ديانته. لا يحتقرون أية حرفة مهما بلغ تواضعها بدءا من السمكري (القزدار ) مرورا بالجزارين و صانعي الأنسجة ( الدراز ) وبائعي بالجملة و حرفيي الخياطة ذكورا و إناثا. أغلب ساكنة القرية كانت تتعامل مع " عويشة " و " سلطانة" و " مريمة " اليهوديات اللواتي كانت أناملهن تنسجن ألبسة تحت الطلب. " موشي " ومن لا يعرفه بحي الملاح اليهودي ! هذا البائع الجائل الشعبي، الذي يقوم بجولاته مهما كانت الظروف المناخية بين الأزقة و شعاب جبال المنطقة رغم صعوبة ولوجها ، بلباسه "الأربعة فصول" المتميز ، فالأفواه التي يجب إطعامها تنتظره بفارغ الصبر. لا يهاب أي شيء، ممتطيا بغلته الودودة المطيعة، تطفئ عطشها في الجداول الانسيابية الحبلى بالإنقليس والسلطعون والعِلق ( العلكَة ) والضفادع بمختلف أحجامها. لا يتردد " موشي " في شرب جرعة ماء منها مستعملا يديه الغير نظيفتين اللتين ألفتا هذا الأمر. مع مرور الأيام، تغيرت بعض أنمطة الحياة إلا أن موشي صمد في وجهها . بذكائه ومزاجه المرح، استطاع أن يكسب قلوب زبنائه لبيع مبيعاته المتنوعة الرخيصة الثمن بطرق شتى ليكسب ربحا لا بأس به: تسهيلات في الأداء، مقايضة، تبادل السلع، هدايا، ...لا يسلم منه حتى ذاك الديك صاحب العرف الأحمر الذي يتبختر وسط خم الدجاج فقد يقايضه بنعل ذي الكعب العالي مع قبضة حناء، أنثى الديك الرومي مقابل فستان بألوان فاقعة، وعاء عسل يستبدل بوشاح وشيء من البخور المنتهية صلاحيتها، سلة بيض دون علم الزوج تُقايَض بسوار ناصع يُخدَش لأتفه احتكاك. أما بغلته المسكينة فكانت دائما محملة ما لا تطيق ذهابها كإيابها. تحت ظل أشجار الخروب و البلوط الأخضر بمحاذاة كل دوار، يعرض سلعته على الأرض فيتناول وجبة غذائه مستظلا بظلالها مستلقيا على ظهره مستسلما لنوم في الهواء الطلق وبجانبه طبعا بغلته التي لا تتوقف من حين لآخر عن شخير مسترسل. يتظاهر أنه رجل فقير إلا أن واقع الحال يكذب ذلك، فثروته التي يحتفظ بها في مكان آمن قد تتجاوز ثروة التجار الجشعين عديمي الذمة. بعد وفاته، استطاع ورثته التمتع بإرثه على أكمل وجه بل وعادت إليهم تلك الابتسامة التي افتقدوها خلال حياة أبيهم. مآل محزن لرجل كرس طول حياته لجمع المال فقط دون أن يظهر عليه أي نعمة ثراء. بل حتى شريكة حياته التي اقتسمت معه " الحلوة والمرة " لم تذرف ولا دمعة واحدة بعد موته.
نشرت الحلقة الأولى على هذا الرابط من صفحة فضاء بني يزناسن
شذرات : نشأة مدينة أبركان الحلقة الثانية
بدأت بوادر ظهور أولى بنايات الحي الخاص بالفرنسيين على ضفتي شارع ملوية. اعتبر هذا الحي آنذاك، قلب القرية النابض، مشتملا على شتى أنواع الخدمات العمومية. استعمل فيه لتسقيف المنازل القرميد الأحمر. كان إضافة نوعية وجديدة بالنسبة للساكنة المحلية التي لم تتعود على هذا النمط من البناء. عرفت قرية أبركان غزو ثقافة وحضارة جديدة أتت من وراء البحر. لم يعد الإسلام الدين الوحيد بها بل تواجدت معه ديانات أخريات وجب على الساكنة التعايش معها لكن بالرغم من كل هذا لم تستطع اللغة الفرنسية أن تفرض وجودها لأن الأهالي تشبثوا بهويتهم وبلغتهم وبدينهم. مقرات الإدارة المدنية والعسكرية تموقعت بمدخلي القرية شرقا وغربا بعد دراسة ميدانية دقيقة من قبل المختصين . بنيت لأجل ذلك قنطرة " وادي شراعة " لتسهيل المرور من ضفة لأخرى عوض قطعها على الأرجل وبصعوبة بالغة. التعامل مع الإدارات العمومية كان مشوبا بالعنصرية حيث الامتيازات حصل عليها " الرومي " و أولئك الذين باعوا ذممهم وبكلمة أوضح " الخونة " الذين اعتبرتهم "ماما" فرنسا أعينها التي تراقب الشاذة والفاذة. جَسَّدَ المراقب المدني برفقة أفراد من الشرطة و القوات المساعدة صورة المجتمع الاستعماري المتعجرف والمغرور بوضعيته المجتمعية أمام أنظار الساكنة المحلية المغلوبة عن أمرها. وصلت الوقاحة والدناءة بأحد هؤلاء " الحكام " إلى فرض تحية السلام العسكري عليه، على المواطنين البسطاء لما يكون في جولة بين الأزقة الملتوية للقرية ممتطيا حصانه الأصيل. فويل لكل من لم يمتثل لتعليماته الصارمة المتمثلة بتحية " بُجوووور سيد الحاكم " ! عرفت العشرية الثانية من القرن العشرين وضع الحجر الأساس لأولى لبنات كنيسة سانت أنييس Sainte Agnès ولم يُفَعل قُدَّاسُها إلا ابتداء من شهر يونيو من سنة 1920 خلال حفلات الزفاف أو الجنائز أو قداسات أيام الآحاد، هذا فضلا عن بعض الأنشطة الثقافية أو تلك العملية التي من خلالها يلج المُذنِب " مَعزَل الاعتراف بالذنب " ليكفر عن خطيئته أمام القس فيخرج منها وقد ارتاح ضميره. اليوم ، أصبحت الكنيسة مقرا لجمعية البيئة والناس تحت إشراف ثلة من الفاعلين الجمعويين النشطاء. أملنا كبير أن تنظر بعين الرحمة، القممُ التي تهتم بالأرض لإيجاد حلول ناجعة لآفة استعمال التكنولوجيا الجديدة التي مافتئت تلوث البيئة وتهدم باستمرار محيطنا غير آبهة بالعواقب الوخيمة على كافة الكائنات الحية التي تعيش وسطه. أشجار النخيل الباسقة التي زينت وسط شارع ملوية ( محمد الخامس حاليا ) أضفت عليه رونقا وبهاء. استغل " الرومي " هذا المنظر البانورامي للجلوس على كراسي خشبية للاستراحة بعد جولة مشي اعتيادية ، هذا الفضاء الجميل للأسف، كان حكرا على المستعمِر لا غير. محلات تجارية تعرض سلعها في الواجهات، مقاهي وحانات تشتمل البعض منها على قاعات للحفلات وللأنشطة المتنوعة، مركز البريد الصغير و سعاة بريد تنتظرهم الساكنة على أحر من الجمر خلال دورتهم المعتادة لعلهم يبشرونهم بخبر سعيد: هذه رسالة للسيد دوران Durand وهذا طرد بريدي للسيدة جيلبير Gilbert ، وهذه حوالة للحاجة فاطنة أُرسلت إليها من قبل ولدها البار من فرنسا، بطاقة بريدية عربون حب وامتنان من جندي فرنسي لمحبوبته. بالمقابل يعود ساعي البريد بعد يوم متعب إلى منزله مسرورا حاملا معه عددا لابأس به من الهدايا لتي تلقاها من الساكنة. ... في البداية، أغلب المعمرين كانوا يستعملون عربات تجرها خيول في تنقلاتهم باستثناء السيد أورتيكَا Ortiga ، كان أول " رومي " له حافلة نقل عمومي تجوب القرى المجاورة. مركز رجال الدرك الأول قديم جدا ( للإشارة فقد هدم هذه السنة ) لم تنل منه تقلبات الزمن إلا القليل من واجهته الخارجية ذي الصبغة الاستعمارية. يحكى أن أحد الأشخاص من الساكنة المحلية مر بالقرب منه، فشاهد صنبور ماء بداخله خُصص لتسقية حديقته، فدخل المبنى ليطفئ عطشه، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ، نعتوه بشتى النعوت القبيحة والمهينة ، هذا ينعته بالمتسخ وهذا بالمجرم والآخر بالقاتل ، ... قال لهم المسكين وقد تملكه الخوف "كنت عطشان وبغيت نشرب شوية ديال الماء " معتذرا عن فعلته التي أزعجتهم وأغضبتهم فعوقب عقابا قاسيا بسبب جرعة ماء. في هذا السياق، قال أحد الكتاب المشهورين ذات مرة :" كم هو فظيع أن تكون ضعيفا ". غير بعيد عن مركز رجال الدرك، نجد: " بيركَولا Pergola المسماة ساحة الأسلحة Place d’armes ، كانت حديقة خضراء جميلة بما تحمل الكلمة من معنى، يُحتفل فيها بالأعياد الوطنية. بالقرب منها مقهى شردفان Schurdevin و في الجانب المقابل مقهى طايفير Taillefer ( ليتيزيا حاليا ). في الخلف، من الشمال إلى الجنوب، وحدات تجارية وصناعية مسيرة من قبل : سيسيك Sicssic ، ماتيو Mathieu، بوحنا Bouhanna، صبان Sebban ، شقرون Choukroun، كَابيزو Gabison، إيفانيس Ivanès، ماليزيو Malizieux عميد الصيادلة، ميكَال Miguel، بيريز Perez، بيكُوي Pécouil، بالإضافة إلى فندق بورڭونْيْ Bourgogne، كانت هناك مطحنة بني يزناسن، مكتبة فارون Faron، حانة معروفة بغلق أبوابها ليلا في وقت محدد : عند صياح ديك ساعتها الحائطية، مخبزة باكو Paco : كان المحل التجاري الوحيد آنذاك مسير من قبل الزوج وزوجته، خبزه الذهبي المقرمش " البولانجي " لا يقاوم إلى درجة أن العجائز كن يشتهينه من حين لآخر من كثرة تعبهن في نفخ " الكانون " لطهي ما لذ وطاب من فطائر يالسميد وزيت الزيتون والزبدة " البَلْدية ".
نشرت الحلقة الثانية على هذا الرابط من صفحة فضاء بني يزناسن
الحلقة الثالثة والأخيرة من نبش في ذاكرة أبركان
بموازاة تغذية البطن ، تغذية العقل كانت حاضرة وسط ساكنة القرية : أول مؤسسة تربوية دَرَّست لغة موليير أُحدثت ثلاث سنوات قبل إقرار الحماية فتوسع صيتها وإشعاعها لاحقا فأصبحت مؤسسة للكبار. ومنها وفي المجال الرياضي ، جُلِبَ بعض الرياضيين من أمثال : ألفونسي Alfonsi ، فرومونتال Fromental، بيجول Pujol، يوسفي، البكاي،.. هؤلاء أسماؤهم وُشمت في ذاكرتنا في ملعب " الجمعية الرياضية لأبركان " (A.S.B) لكرة السلة. أما لاعبو كرة القدم فنذكر على سبيل المثال لا الحصر: بونيفيال Bonnevialle ، فاركَاس Vargas ، كوردوبا Cordoba، شاطر، مصطفى، عواد، ... هؤلاء جسدوا صورة الرياضي الذي ازداد وترعرع وتعلم لغة الكرة المستديرة ولو بأرجل حافية ، يتفننون في المراوغات لتسجيل أهداف رائعة بالملعب البلدي ذي التجهيزات المتواضعة جدا والذي كان يطل على حقول العنب على مرمى العين، للأسف أوتي عليها كلها على حساب الإسمنت الذي غزى القرية شيئا فشيئا دون أية لمسة أناقة ولا جمال. بمحاذاة الكنيسة سانت أنييس، مدرسة سانت جان دارك Sainte Jeanne d’Arc كانت في البداية تستقبل الأطفال ما قبل التمدرس والتي تأسست سنة 1913، من بين مديريها الذين أشرفوا على إدارتها، سيدة في عقدها الخامس من عمرها كانت تدعي أنها من أسرة النبلاء ( أو أسرة ملكية ) وكانت تفتخر ومغرورة بنفسها كثيرا. بمحاذاة مدرسة أبي الخير، أحدث مقر جمعية " قطرة حليب Goûte de lait " التي كانت تسهر عليه سيدات راهبات بزيهن الموحد يوزعن الحليب الطري المشتمل على السعرات الحرارية المرتفعة المحبوب من الكل. كان لقرية أبركان أيضا مستشفى صغير أو بالأحرى " بيت التمريض" بالحي المسمى " الفيلاج Village" قبالة حمام تقليدي. لا يمكن لليزناسنيين أن يتحدثوا عن المستشفى دون أن ينطق لسانهم باسم الدكتور خوصي هود José Hudd. هذا الأخير و لتفانيه في العمل وحبه في خدمة الساكنة، كان شاهدا قيد حياته على تشييد المستشفى المتواجد حاليا بالقرب من ربوة " المصلى " بل وحمل اسمه آنذاك . تكريم مستحق ! (مستشفى الدراق حاليا ). من جهة أخرى، الحي الذي شيد بين الأحياء الشعبية وحي الأوروبيين حمل اسم الحي الاقتصادي الذي مكن ذوي الدخل المحدود من الحصول على مفتاح منزلهم مباشرة بعد إنهاء عملية البيع حيث كانت سابقة بقرية أبركان. في نفس الفترة، ظهر للوجود حي "بني جديد" الذي كانت مبانيه كلها تشتمل على طابق واحد فقط (السفلي) والتي لم تكن متاحة طبعا إلا لبعض الأشخاص الميسورين شيئا ما. من غرائب ما يحكى أن حماما كان مجاورا لبعض منازل حي "بني جديد" حيكت عنه قصص غريبة وخرافية إلى درجة أن البعض كان يتفادى المرور بالقرب منه درءا لأي حالة نفسية قد تصيبه فتلزمه الفراش لعدة أيام. يقال أن الأرواح الشريرة كانت تسكنه بالرغم من أن لا أحد عاينها أو صادفها هناك. الشعوذة وقلة الوعي كان متجذرا لدى البعض. بالنقيض من ذلك، يأتي " السيرك " في نفس أفضل فترة من كل سنة إلى هذه القرية الصغيرة ليروح عن النفوس وينسيهم هلع وهول الحمّام لينصب خيمته الضخمة في المساحة الواسعة المقابلة لمقهى وحانة أدريان ( الملكي حاليا Royal ). كان متاحا لكل شرائح المجتمع صغارا وكبارا، إناثا وذكورا. خُصصت حصص للتلاميذ في واضحة النهار. ترك فينا هذا السيرك أثرا جميلا للعروض التي كان يقدمها، لم نألف رؤيتها من طرف كل من بهلونات و فناني الأرجوحات ورياضيي التوازن و مروضي الحيوانات الأليفة والمتوحشة والألعاب السحرية ، إلخ... إلا أن حدثا بارزا بقي موشوما في الذاكرة لولا الألطاف الإلهية لكانت الكارثة كون أسد هرب من قفصه المفتوح إهمالا فنشر الرعب والهلع في الأزقة : فوضى عارمة ، الكل يبحث عن الهروب من هذا الحيوان المفترس، صخب و هرج ومرج وتدافع وغلق للمحلات التجارية...لحسن الحظ تمكن مروضوه من وضع حد لهذه الواقعة فأعادوه إلى قفصه. في الجهة الخلفية لوادي شراعة، عرف التل المجاور له ( الحرشة ) عدة حملات تشجير، مبادرة من طرف هيئة التدريس مشكورة. وبسفحه أحدث حي سيدي سليمان شراعة ليستقطب ساكنة من ذوي الدخل المحدود والتي كانت ضحية للفيضانات وادي شراعة نهاية الستينات. إزاء السوق النصف أسبوعي، توجد نافورة ماء عمومية جميلة تسقي بعض الجزر الخضراء المجاورة . ذات قيض صيفي، لما بلغت الحرارة درجة عالية جدا، وفي عز شهر رمضان المبارك، لم يستطع بعض الصائمين كتم جماح عطشهم ، شربوا منها إلى حد الارتواء، الله مسامح كريم ! وسط السوق الدائم الحركة تجاريا، تجد شتى أنواع الحرف : حلاق تقليدي بجلسة القرفصاء داخل خيمة يصلح ما يمكن إصلاحه خدوش الرؤوس المنحنية و المستسلمة له. مقلعي الأضراس في بعض الأحيان قد يكسرون فكك دون أي عقاب يذكر محضري الوجبات في متناول الكل مروضي الثعابين لا يتناونون عن وضع الأفعى حول عنق المتفرجين تحت تأثير " التنويم المغناطيسي " المشعوذات بفعل لعب الأوراق يستطعن بوعود كاذبة أن يصلن إلى جيب المغفلين المنبهرين بسحرهم بكل سهولة وهذا غيض من فيض وتحت أنظار ومراقبة القوات المساعدة وأعوان الأمن مازال الناس يتذكرون ذلك الشرطي عديم الذمة الذي كان يجوب القرية طولا وعرضا على دراجته الهوائية متقمصا دور طائر " الباز " لينقض على فريسته فيتم استدعاؤه إلى المركز حيث سينال تعذيبا قاسيا دون أية محاكمة عادلة لا لشيء إلا لأنه من الوطنيين الأحرار. لنعد إلى الوراء لإعطاء فكرة حول تطور ساكنة المدينة حسب إحصائيات سنة 1911 : الفرنسيون : 134 أوروبيون آخرون : 106 جزائريون مسلمون : 14 مغاربة مسلمون: 94 المجموع 348 نسمة ، 185 منزلا لاحقا، توافدت على المدينة عائلات أخريات ما بين 1931 و 1936 فارتفع عدد ساكنتها من 3300 إلى 3600 نسمة ليصل إلى 8000 مقيم بها سنة 1951 أمام الانفجار الديموغرافي ما بعد الفترة الاستعمارية، لم يستطع تصميم التهيئة من الحد من انتشار الأحياء العشوائية التي لا توفر لساكنتها العيش الكريم من بنية تحتية و سكن لائق يحفظ كرامتهم وهذ الأمر قض مضجع المسؤولين لوعيهم لأثره السلبي على جمالية إقليم أبركان الذي وصل عدد سكانه حسب تقديرات سنة 1977 إلى 259 ألف نسمة، في حين وصل معدل الكثافة السكانية إلى 126 فردا لكل كلم مربع واحد و 5502 نسمة لكل كلم مربع بالمدينة و 20 فردا لكل كلم مربع بتافوغالت.
نشرت الحلقة الثالثة على هذا الرابط من صفحة فضاء بني يزناسن
ألبــومات
صــورة وتعليــق
قصيدة باللغة الفرنسية بعنوان l'hymne des Berkanais, "A Berkane" sur l'air de - comme tout le monde Ray Ventura, 1938
زنقة شراعة بمحاذاة مسجد محمد الخامس، بعد هدم المحلات التجارية القديمة
صورة جميلة بواسطة الدرون لمدينة أبركان
تصميم برتقالة بركان السابقة
تصميم برتقالة بركان الحالية
ساحة محمد السادس بأبركان بحي المسيرة